شارك هذا المنشور

هل هذه هي العدالة؟

الامتثال لمعيار الله الأخلاقي كما هو معلن في الوصايا العشر في الكتاب المقدس، والتي تنطوي على إعطاء الناس حقهم كحاملي صورة الله. كما تتضمن عمل

 الله والسلطات الموكلة من الله أيضا (بما في ذلك الآباء في المنزل، والشيوخ في الكنيسة، والمدرّسون في المدرسة، والسلطات المدنية في الولايات). وإصدار الحكم بشكل محايد، وتصحيح الأخطاء وتعويضها (وتقويمها)، وفرض العقوبة على كل من يخالف القانون

ماذا عن هذا التعريف (الثاني)؟

العدالة هي تفكيك النظم التقليدية والهياكل التي تعتبر قمعية، ونزع السلطة والموارد من الظالمين وإعادة توزيعها على المظلومين سعياً لتحقيق المساواة.

بالنظر إلى هذين التعريفين المختلفين جذريًا ، ماذا تعني كلمة “عدالة” في الواقع؟

ما هو التعريف الصحيح؟

صديقنا جون ستونستريت، وهو رئيس مركز كولسون للمنظور العالمي المسيحي، اعتاد أن يقول ” ليس من الجيد امتلاك نفس المفردات إذا كنا نستخدم قواميس مختلفة.

إن الكلمات لها أهمية، إنها تشكل أفكارنا وأنظمة معتقداتنا. وهذه الأنظمة بدورها تقود ثقافتنا التي تشكل طريقة تفكيرنا وتصرفنا، سواء كانت جيدة أو سيئة.

معظم الناس يأخذون الكلمات كأمر مسلم به. نحن نستخدمها ولكن نادرًا ما نأخذ وقتًا في التفكير فيها، غير مدركين لقوتها المذهلة. ومع ذلك، فإن كل تغيير ثقافي يبدأ بتغيير اللغة.

انظر مرة أخرى إلى التعريفين أعلاه. الأول متجذر في الكتاب المقدس والفكر والتقاليد الغربية التاريخية. إنه يعكس حقيقة الله والقانون الأخلاقي الموضوعي. ومن هذا التعريف تستمد المبادئ الأساسية مثل سيادة القانون، والإجراءات القانونية، والمساواة بموجب القانون.

والتعريف الثاني متجذر في الفلسفات الإلحادية التي ظهرت في أوروبا في القرن الثامن عشر. وتعود جذوره إلى فلاسفة ومفكرين مشهورين مثل “إيمانويل كانط” و”فريدريك نيتشه” و”كارل ماركس” و”أنطونيو غرامشي” و”ميشيل فوكو”. إن هذا الفكر لا يفترض وجود إله أو قانون أخلاقي سام. لذلك ترى عالماً مقسماً بين مضطهدين أشرار وضحايا أبرياء في صراع لا نهاية له على السلطة.

اليوم، نجد أن التعريف الثاني للعدالة  في صعود في الثقافات الغربية. إذ يتم تدريسه لشبابنا في المدارس والجامعات العامة. ويتم تعزيزه في عالم الشركات والإعلام والفنون والترفيه والحكومة.

عادةً ما يضيف التعريف الثاني كلمة “اجتماعيًا”، كما في “العدالة الاجتماعية”. نظرًا لأن مصدره هو فلسفة الإلحاد، لذلك لا نتفاجأ عندما يروّج غير المسيحيين مثل “روبن ديانجيلو” أو “تا نيهيسي كواتس ” أو “إبرام إكس.كيندي” لهذا التعريف.

ومع ذلك، فمن المثير للقلق أن نرى العديد من الإنجيليين المؤمنين بالكتاب المقدس يدافعون عن التعريف الثاني، أو يزرعون اللّبس عن طريق الخلط بين التعريفين.  مثل “جو كارتر من اتحاد الإنجيل” الذي يقر بذلك بقوله “تشمل العدالة الكتابية جميع أشكال العدالة التي وضعها الله، بما في ذلك … العدالة الاجتماعية“.

أقام الله الكنيسة لتقدم ملكوته القائم على الخير والنور والجمال إلى هذا العالم الساقط. وواحدة من أهم الطرق التي  تمكّننا من القيام بذلك  هي من خلال توصيل وتجسيد كلمات الله القوية الواهبة للحياة في الكتاب المقدس، كلمات مثل الحرية والمحبة والرحمة والعدالة.

تؤدي التعريفات الكتابية الحقيقية إلى ظهور ثقافات مسيحية مميزة. ويعبّر اللاهوتي روبرت لويس ويلكن عن هذا الامر بالقول “تعيش الثقافة حسب اللغة والمشاعر والأفكار. ومشاعر الثقافة المسيحية تشكلها وتحملها لغة الكتاب المقدس“.

لذلك عندما تغيّر الكنيسة الإنجيلية عن قصد، أو عن غير قصد، التعريف الكتابي لكلمة معينة، خاصة لكلمة مهمة مثل العدالة بكلمة مزيفة، فهذا ليس بالأمر الهين. إذا استمرت الكنيسة الإنجيلية في الخلط بين العدالة الكتابية والعدالة الاجتماعية أو دمجهما مع بعض، فسوف يتم دمجها بسرعة في أيديولوجية مدمرة للغاية وغير كتابية من شأنها إلحاق ضرر لا يُحصى برسالتها وشهادتها في هذا العالم.

العدل من أهم كلمات الكتاب المقدس. إنه أحد أهم المفاهيم في أي ثقافة. إذا تخلت الكنيسة التي تؤمن بالكتاب المقدس عن العدالة الحقيقية لصالح تزوير ثقافي مدمر، فمن سيبقى ليؤيد الحق ويدافع عنه؟ الرهانات عالية جدا.

خلال الأيام المقبلة سيصدر كتابي الجديد تحت عنوان ” لماذا العدالة الاجتماعية ليست عدالة كتابية: نداء عاجل للرفاق المسيحيين في وقت الأزمات الاجتماعية“.

أشجعك على زيارة موقعنا على الإنترنت لمعرفة المزيد عنه والاشتراك في بريدنا لتكون على دراية بالتحديثات المتعلقة بإصداره.

صلاتي الحارة هي أن يذكّر هذا الكتاب الإخوة والأخوات الإنجيليين بالعدالة الحقيقية. ولماذا تعتبر مهمة جدًا لمهمتنا لتلمذة للأمم. أدعو الله أن يساعد الكنيسة في التعرف على الأمور المزيّفة وترفضها، وتتمسك بما هو أصلي، بغض النظر عن مدى عدم شعبيته أو ثقافته المضادة.

يجب على كل جيل من المسيحيين التمسك بالحقيقة والدفاع عنها ونقلها إلى الأجيال القادمة، بما في ذلك حقيقة العدالة. يمثل هذا الكتاب محاولتي الصغيرة وغير الكاملة للقيام بذلك.

اترك تعليقاً

هل اعجبك هذا الموضوع؟

اشترك في مدونة اتحاد تلمذة الأمم وتوصل بالتحديثات مباشرة على البريد الالكتروني الخاص بك

نقترح عليك ايضا

المنظور العالمي

لماذا الثروة أفضل من الغِنَى

نشرت صحيفة وول ستريت جورنال مؤخراً مقالاً بقلم ألان ميلتزر (دولة الرفاهية أم أمة الشركات الناشئة) أثار فيه قضية أعمق من مراجعة قانون الضرائب وغير

...المزيد
المنظور العالمي

من هو المُنشِد؟

قد تتساءل: “من هو المُنشِد؟” للإجابة على هذا السؤال، إليك مقتطف من الفصل الثالث من كتاب دارو ميلر الذي صدر حديثًا بعنوان دعوة للمُنشِدين: السعي

...المزيد