شارك هذا المنشور

فيروس كورونا: فرصة للتأمل

هذه فرصة لأولئك (بمن فيهم أنا) الذين يبقون أنفسهم مشغولين معظم الوقت ويخلقون عذر بضيق الوقت، حتى يجلسوا ويعيدوا تقييم الكيفية التي يمضون  بها حياتهم وفي أي اتجاه تسير. لقد استمدت هذه الأفكار المكتوبة والرؤى من خلال التأمل في الوضع الحالي الذي يمر به العالم. وآمل أن تكون موضع اهتمام وذات أهمية بالنسبة للبعض منكم أيها القراء الأعزاء. وآمل أن تحفز كيانكم الداخلي

.وصف بعض الأشخاص في مجال الميديا و ميادين العلوم فيروس كورونا “بانه العدو الذي لا يمكنك رؤيته لكن في نفس الوقت تعلم بانه موجود”

لقد لفتت هذه العبارة انتباهي لأنها تؤكد حقيقة تم تجاهلها ورفضها من طرف معظم الناس الذين يحملون نظرة ما بعد الحداثة أو الألحاد، والتي تقر بعدم وجود قيّم مطلقة أو حقائق مطلقة. يمكن وصف هذه الحقيقة كما هو مذكور في العبارة المقتبسة، الإيمان بوجود الشيء على الرغم من أنك لا تراه، ليس فقط بعينك المجردة بل صغير جدا لدرجة لا يكاد يرى بالمجهر، وهذا حال معظم أنواع الفيروسات. ماذا لو كان العكس تماما، شيء حجمه كبير جدا أو لامع جدا حتى يتم التعامل معه ويُرى ليس فقط بالعين المجردة بل أيضا يمكن رؤيته من خلال افضل الأدوات البصرية مثل تلسكوب هابل الفضائي؟

هذه الحقيقة يمكن أن يتم ربطها مع حقيقة أخرى حيث تناقش معظم وجهات المنظور العالمي. اسمحوا لي أن أسميه، عالما خفيا لا يمكننا أن نراه ولكن في أعماق كل واحد منا نعرف أنه موجود.  تماما مثل هذا الفيروس الذي وُصف بأنه عدو غير مرئي يمكن أن يكون له تأثير على الجسم المادي مع بعض الأعراض التي يمكن رؤيتها. وهذا ما يسمى بالعالم المخفي الغير المنظور والذي  له تأثير على العالم المادي المنظور.

سأذهب إلى ما هو  أبعد من ذلك وأقول، أن هذا العالم الخفي حيث توجد سلطة، لديه قوانين أخلاقية ثابتة وراسخة تحدد سلوكنا اللائق. ويمكن تلخيص هذا كله في قانون واحد كما سماه اللاهوتي والمؤلف سي. إس لويس في كتابه “المسيحية المجردة”: قانون الطبيعة البشرية، وبعبارة أخرى قانون الصواب والخطأ.

فرصة للتأمل

إذا استخدمنا هذين المصطلحين (الصواب والخطأ) فإننا نقّر عن غير قصد على وجود طرفين ضد بعضهما البعض. احد  هذه الأطراف يدعم كل ما هو صائب وصالح  بناء على هذا القانون الأخلاقي الذي سميناه قانون الصواب والخطأ. والطرف الأخر يعمل في الجانب الأخر من هذا القانون، ليس فقط بعصيانه له بل أيضا بالترويج لما هو خاطئ حتى لو بدا في بعض الأحيان وكأنه شيء جيد.  ولكن في طيات هذا الشيء الجيد توجد هناك كذبة والتي بدورها تؤدي فقط إلى جانب الخطأ من هذا القانون

 ما قلته للتو قد يبدو محيرًا أو مربكًا فيما يتعلق باستخدام كلمات محددة لوصف ما يكمن وراء هذا العالم المخفي. ولكن إذا فتحنا عقولنا وحاولنا أن نأخذ وقتا للتفكير والتأمل في ما يحدث الآن سوف نبدأ في الحصول على بعض الأدلة  حول معنى هذا الكون وندرك أن هناك خالق حي. الذي ما زال يتحكم في زمام الأمور حتى في خضم مثل هذه الحالة الوبائية التي نعيشها هذه الأيام. حيث فقدنا في اثرها نحن كبشر نوعًا من السيطرة التي لطالما اعتقدنا بأننا نملكها على معظم الأشياء، في مرات عديدة نعتبر أنفسنا مكتفيين ذاتيًا.  ونعتمد على الذات ونركز عليها. لدرجة إن  البعض منا ذهب إلى ابعد حد من الأعجاب الذاتي وسمينا انفسنا بالأصنام.

لا يزال هناك خالق مسيطر ومتحكم في زمام الأمور ، مثل ما تزال الشمس تشرق وتغيب و يأتي المطر ويذهب ومثل ما تتدفق الأنهار، وتنمو النباتات وتحوّل المعادن في التربة إلى مركبات عضوية حتى تكون جيدة لتغذيتنا، والطيور تغني وتطعم صغارها، واستمرار الليل والنهار ، مثل ما يزال  الدوران المستمر للأرض على مساره الصحيح و محافظة القوة العاملة بين القمر والشمس على توازن المياه في المحيطات وما إلى ذلك… هذه فقط بعض الأمور الأساسية التي يعرفها معظمنا ويفهمها عندما تحدث كل يوم وننسى أحيانا أنها يتم إدارتها وحفظها حتى الآن. ماذا عن أمور العلم الغير المرئية والغير المعروفة التي لا تزال قيد البحث سواء على كوكبنا أو في أجزاء أخرى من هذه المجرة والتي لا تزال تُدار وتُحفظ قبل أن نكتشفها ونعرفها

 

فيروس كورونا يذكرنا بأهمية قانون الخلق

نحن نعيش في عصر حيث كمية هائلة من الأبحاث والأعمال التراكمية المذهلة التي يقوم بها العلماء لفهم بعض الأمور الطبيعية والمشتركة التي تؤثر على حياتنا اليومية. كل الاكتشافات التي تم القيام بها ليست هناك من أجل العلم أو الطبيعة نفسها والتي من شأنها أن تبدو سخيفة من منظور منطقي. لكنها وجدت للإجابة على بعض الأسئلة الكبيرة المتعلقة بالحياة ولتي يسميها البعض أسئلة فلسفية والبعض الآخر يسميها الأسئلة الوجودية.

لهذا فان التأمل الصادق الحقيقي في جميع الأنظمة الطبيعية التي تم تكوينها وإرساءها ستساعدنا على التفكير ومراجعة الكيفية التي نعيش بها الأيام القصيرة من حياتنا على هذه الأرض. ابحث عن الحقيقة بعقل منفتح وبقلب رقيق ولما لا نعود إلى نقطة البداية التي ربما بدأنا فيها بالخروج عن الطريق. حتى نحلل ونعالج الأمر أو الأمور التي جعلتنا نتخذ منعطفا “خاطئا” أو قرارا سيئا وفقا لقانون الصواب والخطأ أو القانون الأخلاقي. والتي يتجاهلها أو ينكرها العديد منا أكثر فأكثر  في مجتمعاتنا بغض النظر عن مدى اختلافها، وإلى أي مدى أصبحت هذه الأمور أقرب بما يكفي لنبدو قريبين من بعضنا البعض. خاصة مع وسائل التواصل الاجتماعي والتأثير الهائل الذي أحدثته كونها ليست فقط منصة لتوزيع الأخبار  بغض النظر عما إذا كانت هذه الأخبار مزيفة أو حقيقية لكن هي منصة لتوزيع الأفكار أيضا والقصص والحياة  والجمال والقبح والخير والشر والحقيقة والأكاذيب وجميع أنواع الأشياء التي تتطلب تمييزًا لما يجب اتخاذه وما ينبغي تركه

كيف وصلنا إلى هنا ؟

نحن بحاجة إلى أن نسأل أنفسنا الأسئلة التالية: لماذا؟ وكيف؟ ومتى ؟ وما الذي جعلنا وجعل مجتمعاتنا تتغير بشكل جذري؟ ما هي الأخلاق الحقيقية والصحيحة التي نحتاجها من العالم الغير منظور؟ ما هي الآثار التي ستترتب على مجتمعاتنا على إثره؟ أي من وجهات النظر العالمية الحالية التي يجب أن تعتنقها البشرية وتتمسك بها؟ هل يرتبط هذا التغيير الجذري السريع الذي نراه اليوم بتمزق وانقطاع العلاقة بين الخالق وخليقته؟

سواء كنا نؤمن بوجود خالق هذا الكون وبتحكمه في كل الأشياء أم لا . دعونا نأخذ بعض الوقت الهادئ، بينما تم خفض الكثير من الضوضاء من حولنا ونستغل هذه !الفرصة  في التأمل

 

 

Ayoub Kdimy بقلم

اترك تعليقاً

هل اعجبك هذا الموضوع؟

اشترك في مدونة اتحاد تلمذة الأمم وتوصل بالتحديثات مباشرة على البريد الالكتروني الخاص بك

نقترح عليك ايضا

المنظور العالمي

من يتحكم في اللغة يتحكم في الثقافة

“لم يؤثر أي كتاب واحد بعمق على التعبير العالمي كما فعلت النسخة الإنجليزية من الكتاب المقدس”. (الكتاب المقدس في الأدب الإنجليزي، إدغار ويتاكر ورك، 1917)

...المزيد