شارك هذا المنشور

.وصايا الله رائعة في بساطتها وعجيبة في عُمقها. وبطاعة وصية الله، نحن ننمو وبإتباع وصايا الله تجد الشعوب والأمم الحريّة والحياة والسلام

بحسب إرساليّة يسوع العُظمي، يجب على تلاميذه الاستمراريّة في تعليم الأمم. وعلى الأمم أن يطيعوا بفاعليّة كلّ ما أوصى به المسيح. فكل السلطان قد مُنح للمسيح، وعلى كلّ الأمم أن تتلمذ وتتعلّم كلّ ما أوصى به المسيح وتُطيعه. فهو أرسلنا لنُتلمذ جميع الأمم ونُعلّمهم أن يطيعوا “جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ “[1]

نحن عادةً ما نُفكّر في الطاعة بصورة خارجيّة، كالخُضوع للحكومات والقوانين. أمّا المسيح يدعونا لنوع مُختلف من الطاعة: إنّنا بحريّة ومن داخلنا نضبُط أنفسنا بحسب  كلّ ما أوصى به

فشعب الله يعيشون كنساء ورجال أحرارًا بإتباعهم طرقه، وبتأسيس حياتهم بحسب ترتيبه. تقول صديقتي العزيزة الدكتورة “إليزابيث يومانس”، مؤسِّسة منظّمة (كريساليس الدوليّة)

“إنّ المبدأ المسيحيّ لضبط النفس هو: أن يملُك الله داخليًّا على قلب المؤمن. ولكي ينال حريّة حقيقيّة، على الإنسان أن يخضع بإرادته للروح القُدس وكلمة الله داخليًّا، لا أن يخضع له بسبب مؤثر خارجي (قوي خارجية). فالضبط (التحكُّم) يكون داخليًّا أوّلًا (المُسبّب)، ثم يمتدّ إلى الخارج (التأثير)

ففي التحكُّم الداخليّ للنفس في المسيحيّة، لا يضع الشعوب والأمم المسؤوليّة على الأخرين، فهم أنفسهم أحرار ومسؤولون

الله يُريد أن تنهض الشّعوب، فمهمّته أن يُحوّل العبيد إلي أحرار، تمامًا كما فعل مع شعب إسرائيل، حوّل أمّة بعقليّة عبيد إلى أمّة حرّة عظيمة مثالًا للأمم في العالم. وهذا التحوّل حدث من خلال الطاعة

الحدّ الأدنى غير القابل للاختزال، والحدّ الأقصى الشامل

إنّ كلمات يسوع “كلّ ما أوصيتكُم به” لها منظوران: الحدّ الأدنى وهو غير قابل للاختزال، والحدّ الأقصى الشامل. عندما سُئل يسوع عن الوصيّة العُظمى، لخّص وصايا الله في وصيّتين:

“تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ. 38 هذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى وَالْعُظْمَى. 39 وَالثَّانِيَةُ مِثْلُهَا: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. 40 بِهَاتَيْنِ الْوَصِيَّتَيْنِ يَتَعَلَّقُ النَّامُوسُ كُلُّهُ وَالأَنْبِيَاءُ».[2]

ويختصر الرسول بولس هاتان الوصيتان إلى وصيةٍ واحدةٍ لا يمكن اختزالها: “لأَنَّ كُلَّ النَّامُوسِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ يُكْمَلُ: «تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ».”[3]  يشرح لنا يوحنّا كيف أنّ الوصيتين -محبّة الله ومحبّة قريبك- يُمكن أن تُبسّط إلى وصيّة واحدة: “إِنْ قَالَ أَحَدٌ: «إِنِّي أُحِبُّ اللهَ» وَأَبْغَضَ أَخَاهُ، فَهُوَ كَاذِبٌ. لأَنَّ مَنْ لاَ يُحِبُّ أَخَاهُ الَّذِي أَبْصَرَهُ، كَيْفَ يَقْدِرُ أَنْ يُحِبَّ اللهَ الَّذِي لَمْ يُبْصِرْهُ؟ وَلَنَا هذِهِ الْوَصِيَّةُ مِنْهُ: أَنَّ مَنْ يُحِبُّ اللهَ يُحِبُّ أَخَاهُ أَيْضًا.”[4]. فالحدّ الأدنى غير القابل للاختزال لكلّ شريعة الله هو: أن تُحبّ قريبك. على أقلّ تقدير، هذا ما يجب أن تعلَمَه كلّ الأمم.

إذا كانت وصية “تُحِبُّ قَرِيبَكَ” هي الحدّ الأدنى غير القابل للاختزال لـ “جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ”، فما هو الحدّ الأقصى الشامل – التعبير الأكمل والأعمق؟

يكمن الجواب في إدراك أنّ الله قد خلق هذا الكون كلّه وهو حاكمه. فكلّ جانب من جوانب الكون الذي يلعب دورًا في وصية الله، يُمكن رؤيته في خليقته فهي الحدّ الأقصى الشّامل لـ “جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ”. لأنّ الله تحدّث (أمر) الكون بالوجود.

الله يحكُم بثلاثة طُرق

إنّ الحدّ الأقصى الشامل لا ينعكس فقط في طبيعة الكون، ولكن أيضًا في حُكم الله للكون الذي يقوم به بثلاث طُرق: قوانين الخليقة، وعنايته، وحكمة الإنسان وطاعته

أوّلًا: إنّ الله يحكُم الكون من خلال قوانين الخليقة. تشمل أسماء الله الحقّ والصلاح والجمال. وهذه الأسماء تتوافق مع قوانين الله في الخلق. فالحقّ يعكس قوانين الله الفيزيائيّة والقوانين الميتافيزيقيّة. ويعكس الصلاح (العدل) قوانين الله الأخلاقيّة. ويعكس الجمال قوانين الله الجماليّة. تُشكّل قوانين الخلق هذه البنية الأساسيّة التي تُبنى عليها حياة الأفراد والدول. فتحكُم القوانين الفيزيائيّة العالم الماديّ، وتُعزّز القوانين الأخلاقيّة التنمية البشريّة، والقوانين الميتافيزيقيّة والجماليّة تُساعد المُجتمعات على الازدهار.

ثانيًا: يحكُم الله الكون من خلال عنايته. فالله عاملٌ في الخليقة، فهو يعمل في المكان والزمان. وتتلاقى قوانين الخلق مع عناية الله بعمل الله التدبيري ليحكُم الكون من خلال قوانينه. كما أنّ الربوبيّين يعترفون بأنّ الله قد خلق القوانين، ولكنّهم يُنكرون تفاعُل الله مع الخليقة. والمُلحدون يُنكرون أنّ الله هو مصدر هذه القوانين، ويُفصلونه بطريقة غير عقلانيّة عن قوانين الخلق. لكن الإعلان الكتابيّ العميق لا يزال قائمًا: فقد خلق الله الكون واستطاع أن يُحافظ عليه. “فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ … وَفِيهِ يَقُومُ الْكُلُّ”.[5]

ثالثًا، حكمة الإنسان وطاعته هما وسيلة الله لتوجيه لخلقه. فيتحتمّ على البشر أن يكتشفوا ويُطبّقوا قوانيين الخلقية في الحياة الشخصية والوطنية. فقط من خلال الحكمة -العيش في إطار خليقة الله- يُمكن للنّاس والمُجتمعات أن يُحقّقوا كلّ ما يقصُده الله

 

 

مجد الله، الهدف من خلق قوانين الله هو أن ينظُر إليها في خلقه

تدفُع وصايا المسيح الخليقة إلى غايتها العُظمى – مدينة الله، أورشليم الجديدة- التي سيأتي الله ليُسكن إلى الأبد فيها بين البشر. هذه الرؤيا دفعت إبراهيم إلى الصّحراء: “لأَنَّهُ كَانَ يَنْتَظِرُ الْمَدِينَةَ الَّتِي لَهَا الأَسَاسَاتُ، الَّتِي صَانِعُهَا وَبَارِئُهَا اللهُ.”[6]. فالبحث عن الحكمة وإيجادها وتطبيقها يُتيح للبشر المُشاركة في هذه القصّة العظيمة

مجد الله هو غاية الخليقة وهدفها. فقد خلق الله الكون وثبّته، ودعا البشر إلى المُشاركة في تاريخه وبل وتتميم التاريخ كلّه. فبينما نستكشف الخليقة، نكتشف المزيد والمزيد من مجد الله. فقد اختبأ الله في كلّ مكان حولنا، وهو ينتظُر الحكيم من يبحث عنه ويجده. الحُكماء ينضجوا ليفهموا قوانين الخليقة (اكتشاف أفكار الله من بعده) وليعرفوا الواحد الذي هو الحكمة فتُنظّم حياتهم وحكوماتهم بشكل صحيح

هناك منظور مُختلف قليلاً مبنيّ على هذه الحقيقة. عندما خلق الله البشر، جعلهم على صورته ليسودوا على الخليقة كوكلاء عنه، ليديروا ما يملكه. فبيت الله يجب أن يرعاه البشر، وأن يُتمّموا بناءه للوصول إلى إمكانيّاته التي صنعها الله فيه. على البشر “إدارة البيت” من خلال “قوانين البيت”، وهي القوانين التي وضعها الله لتحكُم خليقته مُنذ البداية. تم وضع هذه في الخليقة وبُنيت في الخليقة كانعكاس لطبيعة الله. هذه هي القوانين التي من خلالها يحكُم الله الخليقة بواسطة وكلائه

وصايا الله تعمل في حياة البشر، فنحن نزدهر وننضُج عندما نحيا بوصايا الله

هذا ما تعنيه كلمات المسيح: “جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ”. تمامًا كما أنّ محبّة القريب هي الحد الأدنى غير القابل للاختزال لأوامر الله، فإنّ تطبيق جميع قوانين الخلق هو الحد الأقصى الشامل لأوامر الله. وصايا الله هي لكلّ النّاس، فهي ليست حقًّا خاص وحصريًّا للمسيحيّين أو اليهود. علاوة على ذلك، فإنّ هذه القوانين غير المرئيّة غير قابلة للتغيير. لا يُمكن كسرها، فكما يعمل قانون الجاذبيّة، هذه القوانين “تعمل”! عندما يعيش شخص أو أمّة وفقًا لهذه القوانين، تكون النتيجة المزيد من العدالة والرّخاء والصّحة والسلام الاجتماعي

علينا أن نُعلّم الأمم أن تُطيع كلّ ما أوصى به المسيح. إن كانت وصايا بسيطة مثل تُحبّ قريبك كنفسك، أو وصايا عميقة مثل استخدام عقولنا لاكتشاف وتطبيق كلّ قوانين الخلقية: الميتافيزيقيّة والأخلاقيّة والجماليّة

 

 

 

دارو ميلر

[1] متي 28: 20.

[2] متي 20: 37 – 40.

[3] غلاطية 5: 14.

[4] 1 يوحنا 4: 20 – 21.

[5] كولوسي 1: 16 – 17.

[6] العبرانيين 11: 10.

اترك تعليقاً

هل اعجبك هذا الموضوع؟

اشترك في مدونة اتحاد تلمذة الأمم وتوصل بالتحديثات مباشرة على البريد الالكتروني الخاص بك

نقترح عليك ايضا

المنظور العالمي

لماذا الثروة أفضل من الغِنَى

نشرت صحيفة وول ستريت جورنال مؤخراً مقالاً بقلم ألان ميلتزر (دولة الرفاهية أم أمة الشركات الناشئة) أثار فيه قضية أعمق من مراجعة قانون الضرائب وغير

...المزيد
المنظور العالمي

من هو المُنشِد؟

قد تتساءل: “من هو المُنشِد؟” للإجابة على هذا السؤال، إليك مقتطف من الفصل الثالث من كتاب دارو ميلر الذي صدر حديثًا بعنوان دعوة للمُنشِدين: السعي

...المزيد