نحن نُشوّش على إنسانيتنا، بل ونُهملها، عندما نرفض الله
لقد كُشِفَت حقيقة وجود الله بوضوحٍ شديدٍ لدرجة أن من يرفضون الاعتراف به يُضطرون إلى كبت الحقيقة. يُضطرون مرارًا وتكرارًا إلى دفن الواقع الذي لا يزال يواجههم، كطفلٍ يُعيد لُعبة الدمية القافزة إلى الصندوق
نجد هذا الإنكار في كتابات عالم الأحياء الفرنسي البارز والحائز على جائزة نوبل، جاك مونو. ففي كتابه الرائد “الصدفة والضرورة”، يكتب أن جميع الكائنات الحية مُصمَّمة لغرضٍ ما، مُشيرًا إلى أن إحدى السمات الأساسية المُشتركة بين جميع الكائنات الحية دون استثناء هي كونها كائناتٍ مُنِحَت غاية أو مشروعًا ما، بحيث تُظهِر ذلك في بنيتها وأدائها الذي تنفذه
كل كائن حي يُظهر أن له غاية من خلال تصميمه ووظيفته. وهذا واضحٌ جدًا لدرجة أن أي مُراقبٍ عقلانيٍّ وموضوعيٍّ سيستنتج أن هناك مُصمِّمًا أو مُدبِّرًا للكون. لكن مونو يدّعي إلحاده. وبالتالي، لا يمكنه التعايش مع هذا الاستنتاج. فكيف يتعامل إذًا مع هذا التناقض؟
مع ذلك، تُلزمنا الموضوعية بالاعتراف بالطابع الغائي للكائنات الحية، والقبول بأنها في بنيتها وأدائها تتصرف بشكل هادف – تُدرك غاية وتسعى لتحقيقها. هنا إذن، ظاهريًا على الأقل، يكمن تناقض معرفي عميق. في الواقع، تكمن المشكلة المحورية في علم الأحياء في هذا التناقض نفسه، والذي يجب حله إن كان ظاهريًا فقط؛ أو إثبات أنه غير قابل للحل تمامًا، إذا تبيّن ذلك بالفعل
يلاحظ مونو تناقضًا في علم الأحياء الحديث. فهو يقول إن على العالم الحديث أن يفترض بشكل قاطع ما لا يستطيع العلم إثباته، أي عدم وجود إله. وفي الوقت نفسه، لا يمكن للعالم إنكار — بل يجب عليه الإقرار — بتصميم الكائنات الحية. فهو يرى في بنيتها وأدائها أنها ذات غاية وهدف
هذا التناقض بين استنتاجين متعارضين — غياب المصمّم في كون مليء بالتصميم — يتركه بلا موقف واضح. ومرغمًا بشكل مزعج على مواجهة حقيقة الحق، لا يستطيع التعامل مع هذا التناقض على مستوى البحث العلمي. وحلّه الوحيد هو تسميته “تناقضًا معرفيًا عميقًا”
فقط الملحد هو من يختبر هذا الصدام. إذا بدأنا بافتراض عدم وجود إله، فسنُصاب بالحيرة من التصميم المُحيط بنا. أما المُؤمن فلا يجد أي تناقض في هذا الاكتشاف، بل يراه تأكيدًا للحق: الله موجود، وهو المُصمّم والموجّه العظيم
مونو ورفاقه من العلماء الملحدين منشغلين بقمع الحقيقة. وما يقوله الرسول عن البشرية ينطبق على مونو وآخرين: كانت لديهم معرفة بالله، لكنهم لم يعترفوا به كإله
“لِأَنَّهُمْ لَمَّا عَرَفُوا ٱللهَ لَمْ يُمَجِّدُوهُ أَوْ يَشْكُرُوهُ كَإِلَهٍ، بَلْ حَمِقُوا فِي أَفْكَارِهِمْ، وَأَظْلَمَ قَلْبُهُمُ ٱلْغَبِيُّ.” رومية 1: 21
يقول بولس إن الإنسان الطبيعي عندما ينكر الله رغم وضوح علاماته في الخليقة، يكون لإنكاره هذا أربع نتائج: شيئين بسبب تقاعسه في فعل ما يجب، وشيئين كنتيجة لذلك
اولا: التقاعس
لم يُمجّدوه كإله
لم يشكروه
ثانيا: النتيجة
أصبح تفكيرهم تافهًا (فارغًا أو باطلًا، طائشًا)
أظلمت قلوبهم (أو قست)
ما هو رد الفعل الطبيعي عندما ندرك أننا
لسنا وحدنا في الكون-
الله الخالق موجود-
نكتشفه من خلال تأملنا في خلقه-
تصميمنا ووظيفتنا يدلان على أننا خُلقنا لغرض؟-
يجب أن يكون رد فعلنا الطبيعي أن نركع أمام الله، لنمجّده ونشكره على هويته
ولكن بدلًا من ذلك، فإن قلب الإنسان الطبيعي المتمرد يكبت الحقيقة وينكر المجد والشكر اللذين هما من حق الله المعقول
ولهذا الإهمال عواقب وخيمة، في قلوبنا وعقولنا
ألوهية الله وإنسانيتنا مرتبطان ارتباطًا وثيقًا
تُصبح عقولنا طائشة، وتفكيرنا فارغًا. نصبح، على حد تعبير كليف ستيبلز لويس، “حيوانات غبية”. نُكرّس عقولنا للتفاهات
وتُظلم قلوبنا، بلا فهم. في رسالة أفسس، يكتب بولس: “إِذْ هُمْ مُظْلِمُو ٱلْفِكْرِ، وَمُتَجَنِّبُونَ عَنْ حَيَاةِ ٱللهِ لِسَبَبِ ٱلْجَهْلِ ٱلَّذِي فِيهِمْ بِسَبَبِ غِلَاظَةِ قُلُوبِهِمْ”. القلوب التي يُفترض أن تكون لينة ومرنة، هي في الواقع قاسية كالحجر
يا له من ثمن ندفعه! برفضنا الله، نُصبح أقل من البشر، ونُصبح مغرورين في تفكيرنا، ونفتقر إلى الرحمة في حياتنا. لان إنسانيتنا مشروطة بالاعتراف بألوهية الله

