ما الذي يتطلّبه الأمر للحفاظ على الحريّة؟

شارك هذا المنشور

الحريّة ليست الحالة الطبيعيّة للإنسان الساقط. فوضعنا الافتراضي هو العبوديّة، سواء داخليًّا من خلال طُرق عدّة من الإدمان وعبادة الأصنام، أو خارجيًّا من خلال الاستبداد. فالحريّة هشّة، وتتطلّب نظامًا بيئيًّا وأيديولوجيًّا مُحدّدًا للحفاظ عليها

كما نقول في كثير من الأحيان: الأفكار لها عواقب. ففي القرن الـثامن عشر اندلعت ثورتان من أجل الحريّة. نتج عن الثورة الفرنسيّة فترة تُسمّى “عهد الإرهاب” بين 1793-1994، وتمّ قتل أكثر من 40,000 شخص خلالها. هذه الفوضى الدمويّة أفسَحت الطريقَ للحُكم الاستبداديّ تحت إمرة “نابليون بونابرت”. على النقيض من ذلك، أدّت الثورة الأمريكيّة إلى ظهور الدولة الأكثر حريّة وازدهارًا في تاريخ العالم

لماذا النتائج المُختلفة؟ بينما دارت كِلتا الثورتان باسم الحريّة، كانت مفاهيمهما عن الحريّة مُختلفة تمامًا. كانت الثورة الفرنسيّة علمانيّة/مدنيّة بشكلٍ واضح. فقد نشرت الجمعيّة الوطنيّة الفرنسيّة (إعلان حقوق الإنسان والمواطن (والذي تضمّن تأكيداته على ما يلي

.يُرسَّخ مبدأ السيادة المُطلقة/الكاملة من حق الشعب

.تتمثّل الحُريّة في حريّة فعل كلّ شيء لا يؤذي أيّ شخص آخر

أسّس الآباء المؤسّسون لأمريكا الحكومة على الله. “كلّ البشر خلقوا مُتساوين، وقد وهبهم خالقهم بعض الحقوق غير القابلة للتصرّف.” السلطة أو السيادة المُطلقة ليست للأمة أو لحكومتها، ولكن هي لله؛ ولأنّ الله موجود، فبناء على وجوده تنتُج الحريّة، وهذا عندما نعيش في انسجامٍ مع الله وقانونه الأخلاقيّ ونظامهِ الموضوع

نعلم جميعًا هذا من التجربة اليوميّة. إذا كنت تعتقد أنّ الحريّة تتكوّن من حريّة فعل أيّ شيء لا يؤذي أيّ شخص آخر، فستكون “حُرًّا” في تعاطي الكحول أو المُخدّرات، طالما أنّها لا تؤذي أيّ شخص. لكن أيّ شخص أساء استخدام هذه المواد، يعرف جيّدًا أنّها ليست مجانيّة، إنّهم مُستعبدون لهذه الرّغبات الآثمة

الفهم الكتابيّ للحريّة

مع ذلك، إذا كنت تعتقد أنّ الحريّة تأتي من العيش ضمن إطار قانون الله الأخلاقيّ، فستتجنّب الإدمان وستكون حُرًّا بالفعل. هذا هو الفهم الكتابيّ للحريّة كما قال المسيح: «إِنَّكُمْ إِنْ ثَبَتُّمْ فِي كَلاَمِي فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ تَلاَمِيذِي، وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ» (يوحنّا 8: 31 -32).

.لخّص” أوس جينيس” هذا الأمر بشكلٍ قوّي تحت اسم “المُثلّث الذهبيّ للحريّة”

تتطلّب الحرّية الحقيقيّة الفضيلة، أو الالتزام بفعل ما هو حقيقيّ وصحيح وصالح. وهذا بدوره يتطلّب التزامًا دينيًّا تجاه الله، أيّ الإيمان. هذا الإيمان بدوره لا يُمكن إجباره، يجب أن يتمّ اختياره بحريّة. لذا فإنّ الإيمان الحقيقيّ يتطلّب الحريّة

.دعونا نحلّل الأمر في ضوء خطاب (نوتردام) القويّ لـ “بيل بار”

:الحريّة تتطلّب الفضيلة. لتوضيح هذه النقطة، اقتبس “بار” عن “إدموند بيرك”

“الرجال مؤهّلون للحريّة المدنيّة، وذلك بما يتناسب تمامًا مع نزعتهم إلى وضع قيود على شهواتهم … لا يُمكن للمُجتمع أن يوجد ما لم يتمّ وضع قوّة تحكُم في مكانٍ ما؛ وكلّما قلّ وجود هذه القوّة في الداخل، كلّما كان هناك المزيد منها في الخارج. لقد رتّب الله في الدستور الأبديّ للأشياء أنّ عقول الرجال المُتعسّرة لا يُمكن أن تكون حرّة. فشغفهم يُنشئ/يُكوِّن قيودهم. لكن هذه القُدرة على “وضع قيود على شهواتهم”، بمعنى آخر، أن يكونوا مُنضبطين ويستطيعون ضبط أنفسهم ذاتيًّا، فهذا يتطلّب خوفًا من الله، ورغبة في تكريمه وإرضائه. وهذا يتطلّب الإيمان.”

يقتبس “بار جون آدامز”

“”ليس لدينا حكومة مُسلّحة بقوّة قادرة على مواجهة المشاعر الإنسانيّة التي لا يُهيمن عليها الأخلاق والدين. الجشع والطموح والانتقام، أو الشجاعة من شأنهم جميعًا أن يكسروا أقوى الحِبال في دستورنا مثلما يُمزّق الحوت شبكة الصيّادين. لقد وضِع دستورنا فقط لشعبٍ أخلاقيّ ومُتديّن، وهو غير ملائم على الإطلاق لحكومة أيّ دولة أخرى.

الحريّة والإيمان مُرتبطان

يُلخّص “بار”، مُشيرًا إلى الصّلة بين الإيمان والحريّة

مُنذ العهد التأسيسيّ وما بعده، كان هناك إجماع قويّ حول مركزيّة الحريّة الدينيّة في الولايات المتّحدة. فلم تكُن ضرورة حماية الحريّة الدينيّة مُجرّد لفتة نحو التّقوى. كان هذا يعكس إيمان المؤسّسين بأنّ الدين كان لا غنى عنه للحفاظ على نظام حُكمنا الحُرّ.

هذا الفهم الكتابيّ القويّ للحريّة، المُثلّث الذهبيّ للحريّة الذي يربط بشكلٍ لا ينفصم الحريّة بالفضيلة، والفضيلة بالإيمان، والإيمان بالحريّة؛ هو جوهرة تاج الحكومة الأمريكيّة. إنّها أغلى فكرة لدينا، وهي فكرة أمريكيّة بشكلٍ فريد. بدون هذه الفكرة القويّة والحيّة والتي تمّت رعايتها في كلّ الأجيال المُتعاقبة لن توجد أمريكا. هذا هو جوهر هويّتنا الوطنيّة. هذه الفكرة هي الهبة التي أعطانا الله أن نُشاركها مع الدول الأخرى، ونُبارك العالم

مع ذلك، في يومنا هذا، فإنّ وجهة النّظر هذه للحريّة تعمل على دعم الحياة، وقد نفقدها. فقد ظهر جيل جديد من القادة استبدل الفهم الأمريكيّ للحريّة بالنّظرة العلمانيّة للثوّار الفرنسيّين، ونحن نعرف إلى أين تقودنا هذه الفكرة. إنّها تؤدّي إلى فُقدان الحريّة، وتؤدّي في النهاية إلى استبداد دمويّ

أتمنّى ألّا يحدُث هذا في زمننا! نرجو أن نعتزّ بالميراث الذي منحنا إيّاه الآباء المؤسّسون! المُثلّث الذهبيّ للحريّة، القائم على الالتزام بفعل الخير والصواب، لأنّنا في النهاية نثق بالله


 

اترك تعليقاً

هل اعجبك هذا الموضوع؟

اشترك في مدونة اتحاد تلمذة الأمم وتوصل بالتحديثات مباشرة على البريد الالكتروني الخاص بك

نقترح عليك ايضا

المنظور العالمي

لماذا الثروة أفضل من الغِنَى

نشرت صحيفة وول ستريت جورنال مؤخراً مقالاً بقلم ألان ميلتزر (دولة الرفاهية أم أمة الشركات الناشئة) أثار فيه قضية أعمق من مراجعة قانون الضرائب وغير

...المزيد
المنظور العالمي

من هو المُنشِد؟

قد تتساءل: “من هو المُنشِد؟” للإجابة على هذا السؤال، إليك مقتطف من الفصل الثالث من كتاب دارو ميلر الذي صدر حديثًا بعنوان دعوة للمُنشِدين: السعي

...المزيد